الإستشارات النيابية… الملزمة؟
  • هذا الموضوع فارغ.
المعاينة 0 الرد المواضيع
  • الكاتب
    المشاركات
    • #16758
      admin admin
      مدير عام

      أنطوان سعد

      لقد سعى المشرع الدستوري بموجب التعديل الدستوري لعام 1990 إلى تفادي المشاكل الناجمة عن مسألة تسمية رئيس الحكومة بطريقة استنسابية من قبل رئيس الجمهورية ، لئلا تخضع مسألة التسمية للسياسة الخاصة بالرئيس أو لمزاجه ، لكنه بالمقابل خلق مشكلة أخرى نتيجة النص الذي أورده في الفقرة الثانية من المادة 53 التي نصت على أنه :

      ” يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها ” كما نصت الفقرة الثالثة من المادة عينها على أن  الرئيس ” يصدر مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء منفرداً ” .

      وبعد التعديل الدستوري برز الخلاف حول تفسير الفقرة الثانية من المادة 53 من الدستور عندما وصل الرئيس اميل لحود إلى الحكم في نهاية العام 1998 ، فأجرى إستشارات نيابية فوضَّه بموجبها عدد كبير من النواب حق إختيار الرئيس الذي يراه مناسباً ، الأمر الذي أثار حفيظة الرئيس رفيق الحريري واعتبر الأمر تجاوزاً للدستـور ، ما دفعه إلى الاعتذار عن تأليف الحكومة .

      وفي هذا المجال نرى أنه وكما لا يجوز للنائب أن يفوض مهامه التي يقوم بها داخل مجلس النواب إلى أحد فإنه لا يجوز له أن يفوّض حقه في اختيار مرشحه لرئاسة الحكومة إلى أحد ولو كان رئيس الجمهورية ، و قال الرئيس حسين الحسيني في هذا المجال : إن النائب ملزم بتسمية مرشحه لرئاسة الحكومة وإن كل تفويض هو بمثابة ورقة بيضاء لا يجري احتسابهـا. وعليه لا يجب أن تحتسب الأصوات المفوّضة للرئيس ولا يمكن أيضاً أن تتم من خلال تفويض نائب لنائب آخر لأن هذا الحق شخصي مرتبط بشخص النائب Intuitus personae.

      وإذا كانت صلاحية تسمية رئيس الحكومة تدخل ضمن الصلاحيات الشخصية للرئيس ، فإنه يجب على ضوء ما قاله  « L. Duguit » أن تبقى هذه الصلاحية للرئيس للإبقاء على نوع من التوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.

      وقد إعتبر « J. Gicquel » أن الرئيس لدى إختياره لرئيس الحكومة فإنه يملك صلاحية شبه إستنسابية للإختيار « Quasi-discrétionnaire » لكن عليه أن يتصرف بما يتوافق وإرادة الشعب.

      وفي لبنان إنقسم الكثيرون حول تفسير نص الفقرة الثانية من المادة 53 ، منهم إعتبر أن الرئيس ملزم بنتيجة هذه الإستشارات ، والبعض إعتبر أنه ملزم بإجراء هذه الإستشارات وليس بالنتيجة العددية لهذه الإستشارات ، إذ يملك الرئيس سلطة إستنسابية.

      أما الرئيس صائب سلام وفي معرض رده على الرئيس رشيد كرامي ، الذي كان ينتقد الرئيس شارل حلو الذي سمّى عبدالله اليافي في العام 1966 بدلاً منه لتشكيل الحكومة بسبب تأييد الأغلبية البرلمانيـة له ، فقال مدافعاً عن خيار الرئيس حلو إن الرئيس ليس علبة بريد ولا صندوق اقتراع. وقد أعيد استعمال هذا المصطلح من قِبل رئيس المجلس النيابي في العام 1998 عندما قال إن الرئيس ليس صندوق إقتراع وأنه غير مقيد بنتائج هذه الإستشارات العددية.

      كما تساءل إدمون نعيم كيف يمكن أن نتكلم عن “إستشارات” و “إلزاميتها” معاً فهذين تعبيرين متناقضين. أما المعارضون لفكرة عدم إلزامية الإستشارات النيابية، على أساس أن النص واضح لأنه يلزم الرئيس بالإخذ بنتائج هذه الإستشارات، وفي مقدمتهم الرئيس السابق للمجلس النيابي حسين الحسيني، الذي اعتبر أن نص الفقرة الثانية من المادة 53 واضح ولا يحمل التأويل والإلتباس .

      ويقول زهير شكر في هذا المجال إن من بين إقتراحات التعديل الدستوري للمادة 53 إقتراح يتم بموجبه تسمية رئيس الحكومة من قبل رئيس الجمهورية ، بعدما يكون قد تقدم من المجلس النيابي للتصويت على تسميته « Investiture » ، إلا أن المارونية السياسية رفضت هذا الإقتراح لما فيه من تقييد لدور رئيس الجمهورية في اختيار رئيس الحكومة ، كما رفضت حضور رئيس مجلس النواب الإستشارات النيابية (4) ، لكننا نعتقـد أن رفض الإقتراح لا يتعلق بالمارونية السياسية بقدر ما يتعلّق بالخروج عن مبادىء النظام البرلماني لاقتراب طريقة إختيار رئيس الحكومة التي اقترحها شكر في هذه الحالة من النظام المجلسي .

      وبين الموقف الرافض لإلزامية الإستشارات والموقف المؤيد لإلزاميتها ، فإننا نعتبر بداية أن هذه الصلاحية ، تدخل بين الصلاحيات الشخصية التي يمارسها الرئيس بطريقة منفردة ، بحيث لا يوجد أي دور فيها لرئيس الحكومة ، لا سيما بسبب عدم توقيعـه على مرسوم تسميتـه ، وفي هذا الصدد اعتبر « E. Gordon » ، بأن رئيس الحكومة لا يُوَقع على مرسوم التسمية ، لأنه لا يمكنه في ذلك الحين من ترتيب أية مسؤولية عليه ، كون المسؤولية تطال الحكومة المُشكَّلة ، وليس رئيس الحكومة المكلف ، بحيث يدخل أمر توقيع مرسوم التسمية ضمن إطار صلاحيات الرئيس.

      أما بالنسبة لتفسير عبارة إستشارات فهي بالتأكيد تتناقض مع معنى الإلزام وعندما تأخذ صفة الإلزام لا يكون هنالك من فارق بينها وبين الإنتخاب كما نعتقد أن الدستور اللبناني بعد التعديلات الدستورية لعام 1990  قنّن ما كان يجب أن يحصل عرفياً قبل التعديل وذلك خوفاً من تكرار تجارب الماضي . لكن النص المعدل للفقرة الثانية في المادة 53 يشوبه شيء من الإلتباس في صياغته ، إذ لو وردت فيه عبارة  ” بنتائجها ” من بعد عبارة ” ملزمة ” لكان الإلتباس قد زال . لكن وإستناداً إلى مبادىء النظام البرلماني ، فإنه كان من الواجب على المشرع الدستوري الإتكال على مواجهة الأغلبية النيابيـة للرئيس لا سيما إذا ما خالف إرادتهم من خلال عدم منح الثقة لكل حكومـة تؤلف خلافاً لإرادتها ، مع إحترام دور الرئيس في هذا المجال كي لا يصبـح عملياً أشبه بصندوق إقتراع .

المعاينة 0 الرد المواضيع
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

CONTACT US

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Sending

Log in with your credentials

or    

Forgot your details?

Create Account