الخطة الإقتصادية
  • هذا الموضوع فارغ.
المعاينة 0 الرد المواضيع
  • الكاتب
    المشاركات
    • #17188
      admin admin
      مدير عام

      فريد شهاب

      سعياً لإخراج الولايات المتحدة من الكساد الكبير في العام 1929  وضع روزفلت سياسة “المعطى الجديد” (The New Deal) وهي سياسة اقتصادية جديدة ترتكز على برنامج واسع يهدف إلى إعادة الثقة للمواطنين وتنشيط التوظيفات من خلال مشاريع وطنية كبرى، لتشغيل أكبر عدد ممكن من العمال، وحل مشكلة البطالة، ولأجل ذلك، تمّ إنشاء مكاتب التوظيف والتوسع في المشاريع الإنمائية والاجتماعية كما جرى العمل على تنظيم مجرى نهري ميسوري وميسيسيبي المعروف بأنهما يطفحان ويسببان بفيضانات كارثية، وقد أدّى هذا المشروع إلى تشغيل اليد العاملة بنسبة كبيرة وأعاد تحريك عجلة النمو الاقتصادي في البلد مفيداً بذلك الولايات المعنية. لكن روزفلت لم يتوقف عند هذا الحد بل زوّد ولايات أخرى بمشاريع هيدروليكية مفيدة لنموها وهمه أن يخلق التوازن في المساعدات الحكومية . ولا يزال سد هوفر الشهير شاهداً على ذلك.

      ولتفعيل سياسة “المعطى الجديد” (نيو ديل)، اعتمد روزفلت أسلوب التحاور مع الناس والتواصل المستمر معهم عبر الراديو لتعريفهم بالمشاريع ولكسب اهتمامهم واحترامهم ومشاركتهم على وجه الخصوص.

      ليس من شيء جديد تحت الشمس فإن المطلوب تطوير “معطى اقتصادي ووطني جديد” على نطاق غير مسبوق مشفوعاً بخطة للتواصل مع المواطنين، لم يسبق أن تمّ اعتمادها في لبنان، هذا بالإضافة إلى تطبيق خطة للنمو في جميع المناطق اللبنانية على السواء، تجند جميع المواطنين وتكون قادرة على تعزيز النمو دون التمييز بين منطقة وأخرى.

      على هذا البرنامج الاقتصادي أن يكون قادراً على تحسين موارد البلاد وزيادتها وتعبئة شعبنا، كل الشعب، دون تمييز.. بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز البيئة وضمان الدخل الدائم وخلق مصادر جديدة للثروة وللمزيد من الايرادات.

      فضلاً عن خلق فرص العمل وضمان التوزيع السريع للعائدات على الاستثمارات وتأمين نوعية حياة أفضل للجميع.

      على هذا البرنامج أن يخضع في الوقت نفسه لمعايير ثابتة لا تتغير:

      1- يجب أن يتم تطبيق هذا البرنامج في جميع المناطق اللبنانية في وقت واح، فإذا كان الأمر يتّصل مثلاً بإطلاق المشاريع الكبرى لتحسين البنى التحتية فيجب أن يتمّ في جميع المحافظات في الوقت نفسه.

      وإذا مانت المسألة تتصل بمساعدة المؤسسات الصغيرة الحجم فإن الشعب اللبناني بأكمله معني بالأمر. أما بالنسبة للمشاريع التطويرية، فيجب اعتماد تلك التي تهم كل منطقة من مناطقنا حصر الاستفادة بمنطقة دون أخرى.

      إن مشروعاً فريداً ووحيداً لإعادة تطوير مدينة دون غيرها لن يكون مقبولاً. إذا كان المشروع سوليدير يشكل جزءا من تلك الخطة ، فهذا يعني أن تنفيذه سيتم بالتزامن مع تطوير مدن أخرى في لبنان بشكل لا يؤدي إلى انعدام التوازن في الاستثمارات المعتمدة.

      إذا كان المطلوب تشجيع الاقتصاد الإبداعي مثلاً، يتوجب تحفيز الإبداع لدى جميع المكوّنات الواعدة في بنية لبنان التعددية الواسعة، على أن يكون التوازن والتناغم هما العنوان.

      2- على الخطة أن تكون واقعية ومقنعة وقابلة للتنفيذ على الصعيد الاقتصادي، إذ لا يمكن حشد الجميع حول خطة معينة إلا بهذا الثمن. لا مجال للجدل عندما يتعلق الأمر بمشروع موحد ولا للغوغائية الاقتصادية. نريد بناء الضمير الوطني؟ نعم ولكن ليس بأي ثمن وليس على حساب المنطق.

      كنا قد رأينا في التاريخ الاقتصادي للبلدان كيف كانت دول عديدة تلتزم أعمالاً فرعونية للسيطرة بشكل أفضل على شعوبها ولتحفيزها، فأدت الانقسامات المتزايدة إلى إفلاس اقتصاداتها والى بناء الثروات بطرق مشينة وإلى مستقبل غامض أمام مواطنيها وتشكل رومانيا تشاوشيسكو أو كوريا الشمالية كيم ايل سونغ مثلاً صارخاً على ذلك.

      سيعرض عليكم القسم الرابع فكرة كبيرة وملهمة جداً ونماذج عن خطط تتناسب والمعايير المرجوة لكنني لم أتخصص في الاقتصاد لذلك سيتضمن أيضاً أفكاراً أخرى تعود لأصحاب الاختصاص وتدور حول النمو الموحد.

      لقد تم اقتراح الكثير منها ولكنها ضاعت في دهاليز إدارة متحيزة وهزيلة وعديمة الرؤية بالتأكيد. في “لبنان غدا” كتب كل من روجيه نسناس وفريق يضم توفيق كسبار، كمال حمدان، روجيه خياط وروجيه ملكي، بالتعاون مع خبراء ورجال أعمال آخرين بما في ذلك سمير أبي اللمع، لارا بتلوني، زهير برو، سليم إده، مروان اسكندر، عبد الفتاح خضر، انطوان مسره، وسمير نصر، دراسة مستفيضة بشأن المستقبل الاقتصادي للبنان.

      من الممكن أن يكونوا قد أغفلوا إدراج الخطة الكبرى التي ستلتزم المسار الخلاصي الذي نتكلم عنه ولكن عملهم يساعد كثيراً على فهم اقتصادنا ونقاط الضعف والقوة فيه وكيفية تطوير الخطط المستقبلية التي تولّد الضمير الوطني.

      هؤلاء الخبراء ليسوا وحدهم فكثير من اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية، والذين ينتمون إلى وسط الأعمال ويتكلمون لغة اقتصادية واحدة، عبروا في وقت من الأوقات عن رأي ما وقدموا حلولاً ودونوا محاولات.

      وإذا كانوا مهتمين بمضمون هذا الكتاب، فإنهم مدعوون صراحة إلى التعبير عن رأيهم مرة أخرى إذ يتوفر الآن منتدى رقمي لهذه الغاية: http://www.pari.com.

      هؤلاء يجسدون الحل الذي يجب أن ينبع من عملية تتشارك فيها الطبقة المنتجة في الوطن. كانوا الماضي وصاروا المستقبل. سنرى في فصول لاحقة كيف يمكننا أن نستفيد من مشاركتهم الجماعية في سبيل بلورة الضمير الوطني.

      3- يجب إظهار الخطة إعلامياً بشكل مكثف كما يجب أن يتم إيصالها من خلال إبراز مساهمتها الايجابية في نمو الوطن بأسره. وينبغي خصوصاً أن يتم شرحها شرحاً وافيا لجميع أفراد الأمة مع احترام المستوى الذي تتمتّع به من الذكاء أو الجهل، حسب الوضع.

      أما عملية الدعم الإعلامي فستتم على مستويات عدة وبوسائل مختلفة. فالهدف هو جذب اهتمام المواطن بالخطة وبالتالي انخراطه فيها من خلال استراتيجية تواصل تحفزه وحملات تزوّده بالمعلومات بشكل مستمر فتزيد من ثقته؛ حملات خلاقة تجذبه.

      يجب أن يترافق ذلك كله مع أساليب تفاعلية تتيح المشاركة بهدف تسجيل تمنٍّ أو نقد أو اقتراح أو معلومة تتعلق بالخطة وهذا يقتضي ضمناً رؤية واضحة ودفتر شروط محدد وشفافية مالية كاملة، وآلية تنفيذ لا تشوبها شائبة وإشرافاً يتمتع بالاحتراف والنزاهة و بالتأكيد، التدقيق بالحسابات.

      4- يجب أن تشجع الخطة الناس على المساهمة في الاستثمارات اللازمة بهدف جني المكتسبات. إن صحوة إشراك المواطنين في العمل على المشاريع، هي صيغة فريدة من نوعها فالخطة تولّد مواطنين- شركاء في المشاريع الوطنية وتؤدي إلى صحوة ضمير جماعي حول المصالح المشتركة وهو عمل موحد للغاية.

      إضافة إلى ذلك، فإن الإدارة السليمة لهذه المشاريع تنعكس ايجابا على الاقتصاد بشكل عام لأنها ستدفع بزيادة تداول النقد الخاص باحتياطيات العملة الخاصة بالأفراد فتؤدي إلى سرعة في التدفق الاقتصادي وفي النمو.

      يجب أن يتم دعم الخطة ببذل جهد تأثيري كبير فالمجموعة المؤثرة، المدنية واللا سياسية التي كنا قد وصفناها في القسم الثاني من الكتاب، ستجد دورها الأساسي.

      سيتطلب الأمر زيادة أرباح الحملات الإعلامية من خلال التأثير على صانعي القرار للعمل في الاتجاه المطلوب. بالنسبة للمشاريع الكبرى يمكن لهؤلاء أن يتمثلوا بالدولة وبالسفارات والإدارات والبلديات. أما بالنسبة للمشاريع المحددة والأصغر حجماً، فيتمثل صناع القرار بالمجموعات المالية والأحزاب، المنظمات المتخصصة وغير الحكومية، وصندوق النقد الدولي والمصارف الأجنبية أو المحلية والمستثمرين والناشطين، ووسائل الإعلام في البلاد.

      يمكن لهذا التأثير أن يتخذ أوجهاً عدة: أوجهاً شخصية، اجتماعية، إعلامية، أو شعبية (على شكل الرأي العام). ويمكن التعبير عنه بطريقة تصاعدية تبدأ ودية، فمشجعة، فضاغطة، ثم تتخذ لهجة طارئة لتتحول بشكل استثنائي إلى صرخة وطنية عميقة.

      تصوروا مظاهرة متعددة المجتمعات والأحزاب، تتعدى المليون شخصاً للمطالبة باعتماد خطة خماسية موحدة على غرار مظاهرة الرابع عشر من آذار ولكن اقتصادية بحتة!

      التزاماً بطبيعة المبادرة غير السياسية، على هذه الخطة أن تولد من مجتمع مدني وأن يتم عرضها على الدولة فإن الفصل بين الكيانين أمر ضروري لكل الأسباب المذكورة حتى الآن.

      لقد شرحنا الدور الضعيف للمجتمع المدني اللبناني. الفرصة سانحة الآن ليتمكن من الإمساك مجدداً بزمام مصيره. سيصدح صوته مجدداً وسيكون مسموعاً في هذا السياق وذلك من خلال مشاريع اقتصادية قابلة للحياة رغم التناقضات التي يعاني منها النظام السياسي الحالي.

      وهنا يطرح السؤال نفسه: من الذي سيقف وراء نجاح هذه الخطة؟

      هل هي ورشة أبحاث متواصلة يقوم بها المثقفون من اللبنانيين المقتدرين؟

      هل هو فريق من الخبراء الموكلين العمل عليها بدوام كامل؟

      أم أنه فريق من المتخصصين العاملين على الطلب؟

      أو تراه من المنظمات غير الحكومية؟

      سؤال آخر يطرح نفسه: أي اعتمادات ستكون لهؤلاء؟

      أي مقياس يجب أن نعتمد في مقاربة عروضهم.

      وهنا يبرز سؤال أهم: ما هي المنظمة التي ستتمكن من استيعاب الطاقة التي يتمتع بها فريق كهذا وإدارة حلقات الحوار وتوزيع الأدوار على الحاضرين مع الأخذ بعين الاعتبار غرورهم ودوافعهم السياسية المحتملة والخفية.

      من الذي سيتمكن من ترسيخ الفكرة في أذهان الجميع باعتبارها فكرة قيادية، ومن ترسيخ ثقافة العمل الجماعي الخلاصي؟

      من الذي سيأخذ على عاتقه تحويل الأفكار إلى مقترحات ملموسة؟

المعاينة 0 الرد المواضيع
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

CONTACT US

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Sending

Log in with your credentials

or    

Forgot your details?

Create Account