“السوق السوداء” تكاد تبتلع اقتصادات العالم العربي
  • هذا الموضوع فارغ.
المعاينة 0 الرد المواضيع
  • الكاتب
    المشاركات
    • #14857
      admin admin
      مدير عام

      فيديل سبيتي

      انتشرت السوق السوداء في الحرب العالمية الأولى، عندما اضطرت الدول إلى تقنين المواد الأولية الضرورية للمجهود الحربي، واضطر المواطنون إلى تأمينها من السوق غير الرسمية. وازدهرت السوق السوداء مع الحرب العالمية الثانية بسبب التقنين الصارم ومراقبة الأسعار. وانتشرت سوق العملة السوداء في معظم الدول العربية التي تبنّت نظام الاقتصاد الموجّه وحدّت من حرية التعامل بالعملات الصعبة، وتزدهر السوق السوداء لتصبح هي السوق الرئيسية حين تندلع الحروب الأهلية كما كان الحال في لبنان وفي سورية واليمن والعراق، حيث تسقط أي سلطة للدولة. وكذلك في البلدان التي تخضع لعقوبات اقتصادية كما هو الحال في العراق والسودان سابقا وفي سورية وإيران حاليا. وتعيش السوق السوداء طويلا بسبب الأرباح الطائلة التي تحققّها للمتداولين فيها، وفي زمن “ثورة الاتصالات” الحالي، استفادت من مناخات أشاعها انفتاح وسهولة التعامل التجاري عبر الإنترنت.

      العملة الوطنية مقابل الدولار

      سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار يمثّل الوجه الأشهر للسوق الأسود في منطقتنا، فحين تذكر هذه العبارة “السوق السوداء” أمام مواطني لبنان وسوريا ومصر والعراق وتركيا وإيران، فإن أول ما سيتبادر إلى أذهانهم “سعر صرف الدولار”، لأنه في هذه الآونة من الأزمات المختلفة التي تضرب هذه الدول فإن سعر الصرف لا يعرف ثباتا، وهو يرتفع أو ينخفض بحسب العرض والطلب (التسمية الرسمية) أي بحسب ما تقرّره السوق السوداء في الواقع.

      عمليا تنشأ السوق السوداء للنقد الأجنبي، عندما تتدخل الحكومة في سوق سعر الصرف، وتقيّم عملتها بسعر يفوق السعر السوقي، أو بعبارة أخرى حين تقوم بتحديد سقف لسعر الدولار مقابل العملة المحلية، هذا بدوره يؤدي إلى زيادة الطلب عن العرض الذي توفّره الحكومة للدولار الأمريكي، مما يعمل على نشأة سوق سوداء لتلك العملة، يكون فيها تقويم الدولار الأمريكي أعلى من تقييم الحكومة له.

      أما فيما يتعلق بمصادر الطلب على النقد الأجنبي في السوق السوداء فيأتي من تمويل عمليات الاستيراد السلع من الخارج، سواء لتمويل عمليات التهريب أو ما كان يطلق عليه سابقاً تجارة الشنطة، وهذا ما يجري في لبنان وسوريا الآن. وفي هذه الحالة اضطرت الحكومة اللبنانية والحكومات العربية كلها في مراحل مختلفة، للجوء إلى دعم سلّة من المواد المستوردة لمساعدة المواطنين على موازنة مداخيلهم مع ارتفاع الأسعار، ولكن أن عملية الدعم هذه تؤدي بدورها إلى مزيد من الاحتكار من قبل المستوردين والتجار الكبار والتجار الصغار والبائعين في المفرّق. وتؤدي أيضا إلى زيادة التهريب إلى الدول المجاورة من أجل الاستفادة من الفارق بين السعر الحقيقي والسعر المدعوم من قبل الحكومة.

      الأموال السوداء

      أما الأموال السوداء، فتساهم أيضا في تغيير سعر الصرف، وهي الأموال المهرّبة والتي لا تخضع للضريبة أو تلك التي تتأتى من أعمال غير شرعية كالإتجار بالبشر والمخدرات والسلاح والجنس. وهي من النشاطات الخفية (رغم علم معظم سلطات الدول النامية أو المتخلّفة بوجودها)، وتشكّل نسبة متزايدة في الناتج المحلي الإجمالي سواء في اقتصاديات الدول المتقدمة أو اقتصاديات الدول النامية. وأتاح التطور الهائل في تبادل المعلومات ووسائل نقلها عبر الشبكات والأقمار الصناعية، ومجالات التجارة الإلكترونية، إمكانيات أكبر للقائمين بالأعمال الخفية، في إجراء الحسابات السرية في البنوك والأرقام السرية للملفات وإمكانية عرض المواد والسلع السوداء عبر التجارة الإلكترونية. هذه التعاملات السرية عبر الأموال السوداء تسحب جزء من السيولة النقدية وتزاحم النشاطات الرسمية في الحصول على السيولة بالنقد المحلي والنقد الأجنبي، فتؤثر في أسعار الصرف. ومثل هذه الأعمال جرت في لبنان وسوريا والعراق خلال الأعوام الماضية، وما زالت المطالبات قائمة (انتفاضات، ثورات، محاكمات صورية، صرف النظر عن الأساسي بمواضيع هامشية…) في هذه الدول بالكشف عن الأموال المهرّبة إلى الخارج وعن الاحتكارات للمواد الأساسية التي أضحت بديلا عن السوق الرسمي.

      تهريب رؤوس الأموال

      في لبنان مثلا، تم الكشف عن تهريب مليارات من الدولارات (ليس هناك رقم محدّد لها أو أن الأرقام متضاربة بحسب مصادرها) إلى الخارج قبل وخلال “ثورة 17 تشرين” 2019. ورغم المطالبات الكثيفة والعنيفة أحيانا بالكشف عن مهربي الأموال وحجمها ومن ثم استعادتها، إلا أن هذا الموضوع تتم لفلفته دائما من دون الخوض جديا فيه. وبالطبع فإن السبب يعود إلى أن المهربين هم أصحاب السلطة الفعلية في البلاد. ومما لا شك فيه، أن رأس المال يعد من العناصر الحيوية للتنمية في الدول النامية، وهروب مثل هذا العنصر النادر، لن يساعد هذه الدول على أن تواجه الاحتياجات التمويلية لبرامج الاستثمارات اللازمة للتنمية الاقتصادية. وحينما يستخدم النقد الأجنبي لتمويل عمليات هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، فإن مستويات الواردات سوف تتأثر. ويؤدي هروب رؤوس إلى تعقيد مشكلة المديونية فيها، فيصبح من الصعب إقناع الدول الدائنة بإقراض جديد لهذه الدول، ومن ناحية أخرى يصبح أيضا من الصعب إقناع الدائنين بخفض حجم الديون القائمة. وهذا ما يجري تماما اليوم في لبنان وفي غيره من الدول العربية الدائنة.

المعاينة 0 الرد المواضيع
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

CONTACT US

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Sending

Log in with your credentials

or    

Forgot your details?

Create Account