الضمير الوطني.. الضمير الديني وقوة الاقتصاد
  • هذا الموضوع فارغ.
المعاينة 0 الرد المواضيع
  • الكاتب
    المشاركات
    • #17190
      admin admin
      مدير عام

      من الضروري أن نحلّل الرابط بين الطائفية والضمير الوطني، فأولوية الطوائف هي: حماية معتقداتها، وجودها ومكتسباتها على الأرض.

      إن ما يحدث على المستوى الحزبي يتعاظم على المستوى الطائفي، فباسم الدفاع عن الدين تحلّ الهوية الدينية مكان الهوية المدنية وأخطر ما يمكن أن يحصل هو المزج بين الحزب والطائفة. عندها يتمّ خلط المفهومين معاً ويحلّ ضمير الطائفة مكان ضمير الوطن، وتحلّ مصلحة الطائفة المعنية مكان المصلحة الوطنية،كما تحل مطالب الرعايا المنتمية لطائفة معينة مكان المطالب الاجتماعية الوطنية، وتصبح الإدارة المثالية للدولة هي التي يمارسها على الأرض، ممثلو الطوائف ويتفشى تأثير هؤلاء سريعاً على كل الأصعدة ويصبح تديّنهم مادياً بامتياز.

      إن إدارة الدولة بالارتكاز على الدين لم تكن تاريخياً في مصلحة الشعب فقد استلزم الأمر ظهور عصر النهضة لإخراج الغرب من سباته الاقتصادي في القرون الوسطى التي كان يسيطر عليها الدين.

      هل يمكن لنظامنا الطائفي أن يأتي برأي عام قادر على دفع الدولة باتجاه الإصلاح الذاتي؟ هل يمكنه أن يؤثر على صانعي القرار وأصحاب الطاقات ويدفعهم باتجاه تحقيق نمو اقتصادي يستفيد منه الجميع؟ هل بإمكانه أن يجمع الإداريين الأساسيين معاً للتخطيط بهدف بناء دولة صلبة تنظر إلى المستقبل بتفاؤل؟

      أم أنه وبخلاف ذلك سيزيد ما نتميّز به من فوضى إدارية ومن تعطيل مدني ومن غوغائية اقتصادية ومن سباق نحو المجهول؟ بعد ستين سنة مضت في مراقبة ممارسات حكوماتنا، اسمحوا لي أن أقول إن الوضع الأخير هو الذي سيسود.

      ها نحن من جديد أمام استحالة كبيرة. ليس من المستحب أن ندمر ديمقراطيتنا الهشة ولا التعددية التي نتمتع بها. إنه لمن غير الواقعي أن نغيّر نظامنا الطائفي كما أنه من غير الواقعي ولا هو مستحب أن نتخيل انتصار طائفة على أخرى.

      ومن غير الواقعي أيضاً أن تتّحد القوى الحاضرة معا لإيجاد حلول قابلة للتطبيق أو أن نفكر في خلق وعي وطني يتمّ فرضه على الجميع. ومن أين سنأتي به أصلاً؟       هل من احتلال جديد أو من ديكتاتورية عسكرية أو من مرحلة انتداب جديدة؟ ماذا نفعل إذاً؟ هل سنحظى يوماً بضمير وطني حقيقي؟

      لقد اضطرت أمم أخرى لمواجهة المشكلة نفسها منها سويسرا ومؤخراً جداً دولة سينغافورة. جميعنا يعلم كيف حلّت الكانتونات السويسرية وهي تتميّز بخصوصية كبيرة وتتكلّم بلغات مختلفة وتمارس طقوساً مختلفة. (في الحقيقة لم تكن الخلافات الدينية التي أدّت إلى الانقسام بين الكاثوليك والبروتستانت في تلك الحقبة أخف وطأة حالاً من الانقسامات الدينية التي نعيشها اليوم لجهة أعمال العنف)، مع ذلك فقد نجحت الكانتونات في خلق ضمير وطني فعلي على أساس المصالح الاقتصادية المشتركة والدائمة.

      أما الوضع في سينغافورة فوصل إلى ما هو عليه من تقدّم منذ زمن ليس ببعيد والأمر يستحق أن نتوقّف عنده.

      سنغافورة هي المدينة – الدولة، تقع على جزيرة في جنوب شرقي آسيا، عند الطرف الجنوبي من شبه جزيرة ملايو، ويفصلها عن ماليزيا مضيق جوهور. هذه هي سنغافورة المعروفة في جميع أنحاء العالم وكثيرا ما يُستشهد بها كنموذج نظراً لنجاحها الاقتصادي الاستثنائي. بعد استقلالها في العام 1965، استطاعت سنغافورة، رغم قلّة مواردها الطبيعية ومشاكلها الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة (ثورة عرقية، بطالة جماعية، كثافة سكانية تفتقر للمساكن وصعوبة في الحصول على الماء)، أن تصبح واحدة من البلدان الأكثر تطورا وازدهارا.

      في الثمانينات أدرجت سينغافورة بين العمالقة الآسيوية الأربعة أي الدول التي عاشت مرحلة انتقالية وشهدت نمواً اقتصادياً سريعاً وملفتاً.

      في العام 2009، أصبحت سنغافورة البلد الرابع في العالم من حيث القوة الشرائية للفرد بعد قطر ولوكسمبورغ والنرويج.

      وتعتبر سنغافورة رابع أهم مركز مالي تجاري بين المحيط الهادئ وأوروبا.

      إنها مدينة عالمية تلعب دورا مهما في الاقتصاد العالمي وذلك بفضل موقعها البحري الاستثنائي عند الطرف الشرقي لمضيق ملقا، الأمر الذي ساهم في نموها الاقتصادي.

      إنها مدينة التجارة على حدود الشرق وفيها المرفأ الأول في العالم من حيث الصادرات والشحن. إن مؤشر جودة الحياة  يضع سنغافورة في المرتبة الأولى بين دول آسيا فمستوى العيش الذي يتمتّع به سكانها مرتفع جدا وغالباً ما كانت المدينة- الدولة تلقّب ب “سويسرا آسيا”. كان من الممكن أن تحمل سنغافورة لقب “بيروت آسيا” لو أننا مشينا على خطاها في العام 1965، لأن تحقيق ذلك لم يكن بعيدا عنا في ذلك الوقت. في العام 2009 أصبحت سنغافورة تضم أكبر عدد من أصحاب الملايين نسبة لمجموع سكانها فتخطّت بذلك هونغ كونغ وسويسرا وقطر والكويت.

      في العام 2010 أصبح عدد سكان سنغافورة خمسة ملايين نسمة أما التنوع العرقي للسكان فعلى جانب كبير من الأهمية وهي تضم 76،8 % من الصينيين، 13،9 % من الملايزيين وهم السكان الأصليون للبلاد، و7،9 % من الهنود بينما يأتي الباقي من مختلف البلدان بما في ذلك الغرب.

      اللغات الرسمية هي الإنجليزية، الصينية، الماليزية والتاميلية و42 % من السنغافوريين بوذيون و9،14 % منهم مسلمون 6،14 % منهم مسيحيون و5،8 % منهم طاويون و4 % منهم هندوسيون و7،0 منهم ينتمون إلى ديانات أخرى و8،14 % منهم لا ينتمون لأي ديانة.

      سنغافورة هي مزيج من ثقافات متنوّعة لمجموعات عرقية مختلفة: الصينية والماليزية والهندية. ويتم تشجيع كل مجموعة للحفاظ على تقاليدها مع الحفاظ على نمط عيش متشابه وحديث في الوقت عينه وهي تشكّل بذلك وجهاً آخر للديمقراطية المليئة بالمستحيلات.

      هذه المدينة – الدولة المحصورة بمحيطها الماليزي، تشبه لبنان في تعدديته وفي انحصاره بمحيطه العربي ولكن المقارنة تنتهي هنا لأن سنغفورة هي صاحبة نظام استبدادي، فعائلة واحدة تنتمي لمجموعة إثنية واحدة، هي التي تمسك دون غيرها بزمام السلطة.

      أما في وضعنا الحالي والمليء بالتوترات، فلا يمكننا العيش في ظل سلطة مماثلة، ومع ذلك لا نستطيع أن ننكر أن النمو الاقتصادي في سنغافورة قد حل الكثير من المشاكل بين الأديان. مشاكل بدت للوهلة الأولى، غير قابلة للحل.

      خلافاً لذلك، ارتكز النموذج السويسري أولاً على احترام القوى الحاضرة بعيداً عن الحكم الاستبدادي الخاص بعائلة أو بكانتون معين، فجاء الحل السياسي توافقياً ومع ذلك فإن الرابط الذي أدى إلى التحالف، كان اقتصادياً.

      إذا أعدنا قراءة التحليل القائم على مبدأ القوة والضعف والفرص والمخاطر في ما سبق، وإذا تأمّلنا بالنموذجين السويسري والسنغافوري، علينا إذاً أن نؤمن بقدراتنا على خلق نموذج يناسبنا ويكون موضع حسد من العالم أجمع.

      نحن بلد خلاق! لذلك علينا التغلب على مشاكلنا التي تبدو مستعصية، والبحث عن القواسم المشتركة بيننا وابتكار حل يلزمنا باتباع نهج صارم في اتجاه بناء ضمير للوطن وذلك مع احترام بنيتنا السياسية.

      الحل يكمن في الاقتصاد، فهو يتحلّى إلى جانب الدين بقوة تنشيط بشرية.

      وحده الاقتصاد يحمل الأمل. وحده الاقتصاد يملك قوة على المساومة مع الجميع. وحده الاقتصاد قادر على حث اللبنانيين للالتفاف حول برنامج مشترك. وحده الاقتصاد قادر على تقديم البراهين التي تتجاوز القوى الطائفية والحزبية. وحده الاقتصاد قادر على ابتداع التشنجات القديمة وتخطيها وبإمكان الاقتصاد وحده أن يعد المواطن بمستقبل أفضل.

      كانت السياسة عندنا وما تزال تتحكّم بالاقتصاد ولكن بدءاً من الآن، يجب أن يسيطر الاقتصاد على السياسة. للنجاح في ذلك، على الاقتصاد أن يكون بعيداً كل البعد عن التسييس وعن كل تأثير خارجي وأن يكون توافقياً وفي متناول جميع اللبنانيين من جميع الفئات، فيكون مصدر غنىً للجميع من دون أي تمييز وبعيدا عن إنشاء الكارتلات وتحقيق الثروات الفاضحة. على الاقتصاد أن يتمتع بالحكمة، وأن يكون جامعاً وملتزماً ونزيهاً و بنّاءً وذو رؤية. ولكي يستمر فهو بحاجة إلى الأفكار والخبرات والبنيان والهيئات والموارد والتماسك والانفتاح والثقة والإيمان والذكاء والطموح. في غياب الخيار المدني، يمكن للرأي العام أن يشق سبيله في بوتقة الاقتصاد.

      يمكن لمشروع اقتصادي على صعيد الوطن أن يجمع كل المواطنين من مختلف المشارب، شريطة أن يضمنوا مصلحتهم في ذلك. ألم نذكر سابقاً إلى أيّ مدى يمكن للبنانيين أن يكونوا (مقاولين – بنائين) ملتزمين ومركنتيليين؟ ستجدون إذاً الكثير ممّن سيتجندون لتصحيح سوء الإدارة في مشروع اقتصادي وطني، شريطة أن يتمكنوا من المشاركة فيه وذلك فقط لجني المزيد من الأرباح.

      إن هذا الوعي الاقتصادي الجديد سيشكّل الرابط المفقود ولكن هل يمكن لمشروع اقتصادي أن يتعايش مع بنيتنا السياسية؟ “صاحب الحق سلطان”! إن وعداً بنوعية حياة أفضل للجميع يمكنه أن يقضي حتى على الانشقاقات الطائفية، بل وأفضل من ذلك، يمكنه أن يكسب تأييد الأحزاب. فتكون المكافأة النهائية: “ضمير للوطن”.

      حدّثتكم سابقاً عن ضرورة العمل من أجل هدف معيّن، وسأحدّثكم الآن عن سلسلة الأعمال التي يجب القيام بها لبلوغ هذا الهدف.

المعاينة 0 الرد المواضيع
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

CONTACT US

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Sending

Log in with your credentials

or    

Forgot your details?

Create Account