بين زمن شرعة الحقوق وزمن شريعة الغاب
  • هذا الموضوع فارغ.
المعاينة 0 الرد المواضيع
  • الكاتب
    المشاركات
    • #16770
      admin admin
      مدير عام

      رحلَ الرئيس نلسون مانديلا الرجل الذي دافع بسلام عن شرعة الحقوق وقدّم لها زهاء 28 عاماً (1962-1990) من حياته إعتقالاً سياسياً في جزيرة ” روبن أيلاند وسجن بولسمور وفيكتور فيرستر ” إنتهى بمصالحة وطنية أخمدت الحرب العرقية المستمرة وكانت هذه المصالحة مبنية على الإقرار بقيمة الإنسان في جنوب إفريقيا بغض النظر عن لونه أو عرقـه . وقد احتذت المصالحـة في جنوب إفريقيا بما كرّسه ” مارتن لوثر كينغ ” الذي دافع في خطابه الشهير ”  I have a drean ” في 23 آب 1963 عن حقوق السود في الولايات المتحدة الأميركية لإقرار المساواة بين المواطنين كإخوة وأخوات لأنهم جميعاً سوداً وبيضاً أبناء الله بدلاً من تقاتلهم كأغبياء .

      ولأن لبنان الذي مرّ في أزمات متلاحقة منذ نشأة الدولة فيه لم يتمكن من تجاوز الحرب الأهلية في العام 1975 ولا من التحرر من الوصاية السورية إلا في العام 2005 بعدما دخلت إليه في العام 1976 ، ولم يتمكن من إخراج إسرائيل من أرضه إلا في العام  2000 بالرغم من إستمرار أشكال المواجهة معها على مختلف الأصعدة حتى تاريخ كتابة هذه السطور .

      فقد ارتكب الإحتلال الإسرائيلي إنتهاكات فظيعة بعدما قتل وجرح ودمّر وهجّر اللبنانيين جراء الإعتداءات العسكرية ، فيما كان للوصاية السورية المساحة الأكبر من الإعتداءات العسكرية خلال الحرب اللبنانية إضافة إلى طائل من الإنتهاكات السياسية لا سيما بعيد توقيع إتفاق الطائف لإنهاء الحرب الأهلية ، إذ شنت سلطة الوصاية حروب الإقصاء والتهجير والقمع والتنكيل بالأفراد إلى أية جهة انتموا طالما أنهم لم يقدموا ولاءهم لها ، وكان من بين الفئات المضطهدة قادة سياسيين فاعتقلت من اعتقلت ونفت من نفت كما اختطفت وأخفت ضباطاً في المدرسة الحربية ورتباء وعناصر من الجيش اللبناني وأشخاص منتمين إلى أحزاب وطوائف لبنانية .

      وفي مقابل هذا نرى أن البلدان التي تتمسك بقيمة المواطن لديها تخوض حروباً لاستعادة مواطنيها حفاظاً عليهم ، أما في لبنان فقد كنا ومنذ اندلاع الحرب اللبنانية وحتى العام 2008 في حالة لا تسأل فيها السلطة السياسية والعسكرية عن مواطنيها وضباطها وعناصرها ولا عن شيوخها ورهبانها وراهباتها ، وما اعتقال التلميذ الضابط في العام 1993 ريمون سويدان الذي أدلى مراراً بشهادته في هذا المجال إلا نموذجاً عنها ، حيث وصف لنا أبشع أنواع الإذلال والتعذيب من قِبل نظام الوصاية في ظل سكوت معظم أركان الدولة الذي كانوا يدينون بالولاء لهذا النظام خوفاً أو رضاءً .

      هذا ويُشار إلى أن بعض الأمهات كانت قد سددت مئات الآلاف من الدولارات كي تستعيد أولادها فتمكن البعض منهم (وهم قلّة) من العودة إلى الوطن في حين لا يزال معظمهم أسرى يسيرون على درب الجلجلة المسمّاة ” المعتقلين والمفقودين في السجون السورية ” .

      طبعاً إستمرت حالات الخطف والإعتقال التعسفي حتى بعد انطلاق الثورة السورية في ربيع العام 2011 لتشمل كما سابقاً الأساقفة والكهنة والراهبات والمواطنين سوريين ولبنانيين حتى أن الخطف والقتل قد طال بعض الصحافيين ، مضافاً إلى أن هذا النظام قد ارتكب كل أنواع الإنتهاكات بحق شعبه التي نادراً ما شهدنا مثيلاً لها في التاريخ الحديث .

      وأمام كل هذا لم يحرك ساكناً من بقيَ حليفاً لهذا النظام أي نظام الإستبداد والقهـر ، فغضّ الطرف عن هذه الإنتهاكات لا بل أنه ذهب إلى سوريا ليقاتل ويموت عنه ّ

      ومن جملة الإنتهاكات لحقوق الإنسان أيضاً حرمان اللبنانيين الهاربين في العام 2000 على أثر الإنسحاب الإسرائيلي إلى فلسطين المحتلة من العودة الكريمـة إلى لبنان، تفتح فيها الدولة لهم ذراعها بعد غياب لامسَ الأربعين عاماً فتحاكم منهم بعدل من ارتكب جرائم معينة ، وتَحضُن من هم بحاجة لرعايتها واهتمامها لا سيما الأجيال الجديدة التي ولدت في الخارج فتعلّمهم كيفية حب الوطن ولا تجعلهم يكفرون ويلعنون لحظة انتماؤهم إليها .

       كم من الحقوق المنتهكة والقضايا الشائكة التي تهمل الدولة معالجتها منذ أجيال وتنسحق يوماً بعد يوم قيمة الإنسان مع إزدياد الإهمال وانتشار الفساد والفوضى والفراغ وفقدان بنيان الدولة ، دولة لم تجمع بعد بَينها وبين مواطنيها رابطة الولاء ، فقد غاب عنهم مفهوم اللحمة الوطنية لأن انتماءاتهم شرذمتهم وقسّمتهم شيعاً شيع حتى كادت الهوية تضيع فكيف بحال الحقوق .

       قوانين لا تنزل أحكامها إلا على المؤمنين بمفهوم الدولة ، وتنام هذه الأحكام في ثبات عميق في مواجهة من لا شرعة وشريعة لهم إلا المزرعة الضيقة التي لا ترتقي إلى مفهوم التلاقي بين المواطنين تحت سقف الإنتماء إلى دولة ، فمتى الخلاص ؟

المعاينة 0 الرد المواضيع
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

CONTACT US

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Sending

Log in with your credentials

or    

Forgot your details?

Create Account