فضائل اللامركزية الجديدة 
  • هذا الموضوع فارغ.
المعاينة 0 الرد المواضيع
  • الكاتب
    المشاركات
    • #17184
      admin admin
      مدير عام

      فريد شهاب

      إن ممارسة لغة جديدة أمر صعب دائماً ولكن كلما زاد إتقانها كلما زادت الفرص في تقدير ما أغنتنا به. قبل التحدث باللغة الجديدة، لغة اللامركزية الحقيقية، دعونا نعترف أولاً بأن النظام الإداري الذي مارسناه منذ حصولنا على الاستقلال لم ينجح في توحيد البلاد، وفشل أكثر في إدارته.

      ما هو بالضبط؟ مزيج هجين من المركزية واللامركزية. يمكن عرض التسلسل الهرمي للنظام كالآتي:

      في الأساس، يصوت الناخبون للمجلس البلدي ويصوت المجلس البلدي لرئيس البلدية. يكون رئيس البلدية مسؤولا أمام القائم مقام الذي تعينه الحكومة المركزية ويكون القائم مقام مسؤولا أمام المحافظ الذي تعينه الحكومة المركزية أيضاً ويكون المحافظ مسؤولا أمام وزيري الداخلية والعدل اللذين ينتميان بالطبع إلى مجلس الوزراء.

      في آخر الجدول التراتبي تكون للمجالس البلدية ولرؤساء البلديات السلطة لإدارة الميزانيات البلدية المحدودة وتكون للقائم مقام السلطة لإدارة الميزانيات الكبرى ويتولى المحافظ ميزانيات أكبر. يتمتع الوزير بسلطة تخوّله تشكيل اتحادات المجالس البلدية (التي يزيد تمويلها وتزيد إمكانياتها) وإدارة راتب رئيس البلدية ونائب الرئيس وتحويل العائدات العامة إلى عائدات بلدية وإعادة تخصيص ميزانيات لتطوير الأقضية.

      تصوّروا إذاً ما تؤول إليه مبادرة لتنمية منطقة ما. على مجلس البلدية الذي يختاره الناخبون المحليون أن يكون من صف رئيس البلدية (الذي ينتخبه المجلس البلدي وحده، وليس الناخبون). لكن على هذين المقررين المنتخبين محلياً أن ينسقوا المشاريع فيما بينهما أولاً ومن ثم مع القائم مقام والمحافظ المعين من قبل الدولة. ويترتب على ذلك العديد من الضغوط الخانقة التي تتضاعف بعدة دورات من الرقابة المالية على البلديات.

      كما تنتظر البلديات أيضاً وبشكل منتظم موافقة الهرم التراتبي للمحافظة على علاقات جيدة مع الحكومة المركزية، يترتب عن ذلك نظام مختل تماما يقوض التنمية في المنطقة والنمو الاقتصادي للبلاد بشكل عام.

      حرصاً منها على إصلاح نظام غير فعال، ولكن أيضا على تلبية المطالب التي تفرضها الأحزاب والطوائف الحاضرة (تشهد اليوم كل منطقة تابعة لكل منها تنمية بسرعات متفاوتة)،  اللامركزية التي يصفها اتفاق الطائف لا تتمثل بالتقسيم  أو بالفدرالية أو بالكونفدرالية، وهي جميعها سياسية. بل تتمثل بالآتي:

      – منح كل منطقة حكماً إدارياً ومالياً ذاتياً يتيح لها إدارة ذاتية دون أن تشكل الحكومة المركزية عبئاً إدارياً عليها.

      – تمتع كل منطقة بنوع من الحرية في إدارة خططها التنموية.

      – حصول كل منطقة على ميزانية أكبر تساعد على تنميتها.

      تجمع الدولة اليوم من جميع المناطق اللبنانية الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة أو أي رسوم مالية أخرى وتسحب من هذه المبالغ الميزانية اللازمة للانفاق المحلي المشترك: الدفاع الوطني، شبكة الطرقات، المصرف المركزي، المكبات (مصلحة الطرقات) بالإضافة إلى بعض الخدمات الأخرى.

      هذه المبالغ تمثل تقريباً 5 % من الميزانية الوطنية. يعاد توزيع 70% منها للبلديات بحسب أهمية البلدية (يحسب ذلك على أساس جباية الضرائب المحلية ومؤشرات أخرى مثل عدد السكان أو التنمية الحضرية) و يذهب 25 % منها الى الاتحادات البلدية (تتحد بعض البلديات تحت قيادة واحدة لتسهيل وتعزيز قدراتها في الإدارة الذاتية ولزيادة المبلغ الذي تقدمه الدولة المشجعة على وجود الاتحادات البلدية بالمقارنة مع البلديات المستقلة).

      يتم تخصيص 5 % من نسبة ال 95 % من الأموال المعاد توزيعها لخزينة الدولة بهدف التنمية المحلية (في السياق الإداري المبين في الفقرة السابقة).

      في نموذج لامركزي مطوّر، تتم زيادة نسبة ال 5 %  هذه الى 12.5 % بهدف بلوغ نسبة ال 25 % على المدى الطويل. أما في ما يخص جمع الضرائب، فهذه تتم بطريقة تكون أكثر توازناً وأكثر إنصافاً وكفاءة.

      وبعبارة أخرى، فإن الدولة، بدلا من أن تعمل بنفسها على تطوير كل منطقة، تترك هذا الدور في عهدة المبادرة الإدارية لكل منطقة، مؤمنة لها في الوقت نفسه الدعم المادي الممكن تعبئته بسرعة.

      فضلاً عن أن الإدارة المناطقية الذاتية تجد تجد أن لها الحق في التعاون مع القطاع الخاص في مشاريعها وفي فرض ضرائب إضافية وأخذ القروض في إطار إدارة مالية سليمة وذلك بطبيعة الحال، تحت إشراف رقابة الدولة.

      أهم من ذلك، ترسي اللامركزية مبدأ انتخاب مجلس البلدية ورئيسها من قبل نفس الناخبين (الذين يصبحون مسؤولين بالتكافل تجاه ناخبيهم الوحيدين) وهي تنشر مبدأ انتخاب رئيس البلدية بالاقتراع الشعبي ليشمل انتخاب مجلس القضاء ورئيسه.

      يلعب مجلس القضاء الدور الإدارية الذي كان منوطاً بكل من المحافظ والقائم مقام اللذين تكون الدولة قد عينتهما مسبقاً. (إن النظام المطبق اليوم يرتكز على انتخاب المجالس البلدية ورؤساء البلديات فقط، مولّداً كما ذكرنا سابقاًَ، تضارباً في المصالح وشللاً في العديد من مبادرات النمو).

      إن انتخاب السلسلة الكاملة من الإداريين يؤدي إلى جعلهم مسؤولين أمام ناخبيهم (وأمام الدولة) وخاضعين للمساءلة، فيصبحون إذاً متنبهين لأهمية الإدارة المستقيمة والسليمة. يصبح النمو الاقتصادي أفضل ضمان لإعادة انتخاب فريق من الإداريين الأكفاء.

      وظيفة القائم مقام تختفي إذاً في المطلق بينما تبقى وظيفة المحافظ المعين من قبل الحكومة ولكن دوره يصبح رقابياً بدلا من أن يكون إدارياً. خوفاً من التكرار، تحتفظ الدولة بدورها كمراقب لكنها تضع هذه المبادرة التنموية في عهدة المنطقة وحدها.

      ومن مقياس كبير آخر، تتاح للقضاء وللمحافظة الفرصة لتنمية اقتصادهما دون أن يعتمدا على المناطق الأخرى، والفرصة ليتمتعا بقواعد إدارية معينة.

      إن اللامركزية المطورة والموسعة تشجع على نمو الطابع الخاص بكل منطقة، وتعطي سكانها شعوراً أكبر بالانتماء، وتشجع النشاط المحلي وتسرّع بشكل ما نموّها من خلال هويتها الخاصة وإدارة أكثر بساطة ومسؤولة. إن النمو الاقتصادي للبلد بكامله يتحقق بزيادة الجهود المبذولة بشكل مستقل في كل منطقة.

      تشكل اللامركزية الجديدة ثورة في العادات وممارسات الإدارة الحكومية في المناطق اللبنانية. تستعد لها الدولة منذ أكثر من خمس سنوات دون انتظار ضمانة من القوى السياسية الحاضرة.

      لمعرفة المزيد، كانت فرصة سعيدة أن تعرفت إلى السيد ربيع الشاعر،  مستشار وزير الداخلية السابق، وهو شاب تكنوقراطي ساهم في التنظيم الناجح للانتخابات النيابية في العام 2008.

      كان ربيع الشاعر لطيفاً بما فيه الكفاية إذ أمضى صباحاً كاملاً معي لشرح ما ينتج عن تطبيق اللامركزية الإدارية من تبعات إدارية ومالية على الرقابة والإدارة.       بل واذهب إلى أبعد من ذلك فشرح لي أن الدولة، وأثناء توليها مهمة غرس لامركزية مجدية، تأخذ مسبقاً بعين الاعتبار، الحساسيات المدنية والسياسية الموجودة. تأخذ المبادرة على عاتقها وللمرة الأولى في تاريخنا، إجراء تحقيق شامل ومعمق في الرأي العام المحلي للسكان، لفهم احتياجاتهم ودوافعهم ورغباتهم بشكل أفضل.

      يتكون هذا التحقيق من ورش عمل تبدأها، في كل منطقة، شركة خاصة “Common Space” وهو يجمع الباحثين والمختصين معاً ب 35 شخصية يتم اختيارها من المجالات الإدارية، والبرلمانية والحزبية والتضامنية والاقتصادية والخبراتية والمدنية للمنطقة.

      تتم محادثات مباشرة وبشفافية كاملة. ورش العمل هذه، وعددها 80، تشكل الى حد ما “نبض” الوطن لأنها تدير محادثات في العمق مع أكثر من 1750 لبناني من الذين أخذوا بتنوعهم الطائفي والإداري والمهني والمدني.

      بالاستناد إلى هذه المعطيات، تطوّر الدولة نظامها اللامركزي وتذهب إلى أبعد من ذلك فتنظم دورات تدريبية للموظفين من الفريق الحكومي والإداري، ليصبح أكثر دراية بتطبيق هذا النظام السباق المصلح والحامل إمكانيات مضاعفة للنمو.

      كما هي الحال مع الخطة الخمسية للطاقة الكهرومائية، لا يطمح هذا الكتاب للذهاب بعيدا بشرح اللامركزية الجديدة شرحاً مفصلاً. الخطة موجودة ومعروفة، ومن واجب المجتمع المدني اكتشاف هذا المشروع الضخم، وفهمه، والاقتناع به والمطالبة بقوة وبتصميم، بتنفيذه. لا شك في أن اللامركزية الموسعة قد تغير العادات القديمة للركود الاقتصادي وقد تمس بمصلحة الجسم السياسي الذي يتمتع حالياً بسلطة تحكم غير محدودة وبامتيازات على صعيد تنمية المناطق.

      اعتدنا دائما على انتقاد دور الدولة، ولكن بعد الاطلاع على تفاصيل هذا المشروع البناء، سوف تكتشفون أنه بالرغم من الضغوط والتوترات، تقوم الدولة مع بعض الأبطال والخبراء، بوضع بنية إدارية وخطة للبنى التحتية، تكون قادرة على تغيير مستقبل الوطن. ويجب علينا أيضاً أن نساعدها.

      تذكروا ما كتبناه عن دور المجموعة المؤثرة المدنية وللاسياسية الذي قد يكون دوراً حامياً وبطولياً لإدارة المشاريع العامة والخاصة القادرة على تغيير المؤشر الاقتصادي. في هذه الحال، تغدو مهمة “الميم” جلية.

      يتوجب عليها أن تصبح المتحدثة باسم اللامركزية المطورة. يتوجب عليها أن تطلع وتثقف كل شرائح شعبنا حول التزامات ونتائج مثل هذا النظام وأن تطالب بإنشاء وزارة اللامركزية تكون قادرة على إعادة هيكلة الأدارة، وتدريب كوادرها، وإعداد المؤسسات لتطبيقها بفعالية من خلال التحكم الرقمي (E-Government).

      لا نزال بعيدين بالرغم من أن المشاريع الجاهزة، لا تنتظر إلا الضوء الأخضر من السياسيين.

      كيف يمكن كسر قبضة الجمود وسوء النية اذا لم يكن ذلك من خلال التأثير الذي يؤدي الى تعبئة المجتمع المدني للضغط على صانعي القرار والجسم السياسي.

      فضيلة اللامركزية الأولى أن اتفاق الطائف شجعها، ولكن على الصعيد الاقتصادي، تأخذ أهمية مختلفة تماماً في ما يخص التنمية المستدامة وتصبح أساسية وضرورية في ظل الخطة الخمسية المقترحة لأن هذه الخطة التوحيدية تحتاج، لتحقيق النجاح، الى دعم ومشاركة الشعب اللبناني بتعدديته. ( لهذا السبب من الضروري أن تتضمن مشاريع تفيد في الوقت نفسه كل منطقة).

      إن أطلاق الخطة الكهرومائية وتجنيد المواطن اللبناني والمؤسسات الخاصة للمشاركة المالية فيها، يكون أكثر فعالية بكثير إذا وجد كل مواطن فيها إفادة مباشرة له.

      لا يمكن لأحد أن يشعر بانتمائه إلى منطقة ما، أكثر من المقيم في هذه المنطقة. عندها، تصبح السدود والبحيرة الاصطناعية، والألواح الشمسية وأنظمة الري وخطط التنمية الحضرية أو السياحية أفضل وسائل التعبئة لجذب اهتمام سكان عكار، ولبنان الشمالي، والبقاع، وبعلبك – الهرمل وجبل لبنان وبيروت ولبنان الجنوبي والنبطية، بالمحافظات أو بأحد الأقضية اﻟ 26 ، أو أفضل من ذلك، بإحدى البلديات اﻟ 964 التي تعنيه.

      أبعد من تجنيدهم للعمل على ازدهار منطقتهم الخاصة، تشجع اللامركزية المواطنين على تنمية المناطق التي سبق أن أهملتها الإدارة الحالية. وهي تغرس أيضا مفهوماً مطوراً للتنافسية بين مختلف الأقضية. الكل يريد أن يرى منطقته تنمو بشكل أفضل وتكتسب شباباً اقتصاديا جديداً، وتحسن نوعية الحياة المحلية، وتشجع على الإنتاج المحلي وتشكل مصدراً جديداً لفرص العمل أمام أبنائها، وتشجع على السياحة الثقافية المحلية وتجذب المزيد من الزوار، وتزيد من قيمتها العقارية، وتصبح نموذجا للتنمية بالنسبة إلى المنطقة المجاورة.  بتشجيعها على المنافسة بين مختلف المناطق، تسرع اللامركزية النمو والتقدم الاقتصاديان.

      أحثكم على مراجعة خطة اللامركزية التي وضعتها الحكومة. لا يزال تطبيقها متعثراً أمام سوء الفهم وانعدام الثقة والحسابات السياسية. كلما اطلعتم عليها أكثر، كلما زادت إمكانية طرح جدل وطني عبر الوسائل المتاحة للحوار كالإنترنت وغيرها.   إذا أصبحتم سفراء لها، فإنكم ستساهمون في (خطة) خطوة أساسية لإطلاق حوار توحيدي جديد للبلاد. زوروا موقع http://www.decentralisation.gov.lb في حال أصبح شغالاً.

      إن هذا النظام الإداري الذي قد يوحي بأنه يفصل المناطق عن بعضها، يتبين في الواقع، وبفضل الوثاق الاقتصادي، أنه لنظام الأنسب لتوحيد وطننا من خلال تشجيعه على ضمير جماعي للمصالح المناطقية والذي يتحول مجموعه إلى ضمير جماعي لفكرة وطنية مستدامة.

      تمثل اللامركزية بالنسبة للمجموعة المؤثرة المدنية واللا سياسية السبيل الأفضل لتحقيق الخطة الخمسية فهي تتماشى مع تعبئة المواطنين وتصبح ركيزة ثابتة لعمل “الميم” في المستقبل. على غرار الخطة الخمسية، ستكون هناك مقترحات أخرى قادرة على تشجيع اللامركزية من خلال تعزيز النمو الاقتصادي للوطن أجمع. يتمثل أحد هذه المشاريع بتحديث الشبكة الوطنية للسكك الحديدية.

المعاينة 0 الرد المواضيع
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

CONTACT US

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Sending

Log in with your credentials

or    

Forgot your details?

Create Account