من يشكّل الحكومة؟
  • هذا الموضوع فارغ.
المعاينة 0 الرد المواضيع
  • الكاتب
    المشاركات
    • #16797
      admin admin
      مدير عام

      بعد التعديلات الدستورية لعام 1990 باتت مسألة تأليف الحكومة صلاحية مشتركة تتم بالإتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء إستناداً إلى أحكام الفقرة الرابعة من المادة /53/ من الدستور ، التي قنّنت العرف الدستوري الذي يؤكد على الشراكة القائمة بين الرئيسين في ممارسة هذه الصلاحية .

      وقد يعتبر البعض أن هذه الصلاحية فيها تجاوز للمبادىء البرلمانية الكلاسيكية التي تقضي بأن يشكّل الحكومة رئيس الوزراء المدعوم من الأغلبية البرلمانية لأنه المسؤول عن سياستها أمام البرلمان .

      لكن الخروج عن هذه القاعدة يجد مبرراته في العديد من الأنظمة الدستورية ذات التركيبة المجتمعية الخاصة وكذلك في الأنظمـة البرلمانيـة ذات التعددية الحزبية ، لا سيما عندما لا توجد فيها أغلبية نيابية مرجّحة وذلك وفقـاً لما قاله M. H. Fabre.

      ويتعاظم دور الرئيس أكثر يوم تمر البلاد في أزمة حكم ، ففي بلجيكا يتدخل الملك كثيراً في تأليف الحكومة ويكون له تأثيـر كبير ، وهذا ما حصل عندما تدخل الملك« Baudouin»     لينقذ البلاد  من أزمة حكومية نتجت بسبب إقرار قانـون يمنع العقاب على الإجهاض ، حيث امتنع الملك عن المصادقة عليه وفرض تشكيلة حكومية في ظل إنقسام حاد داخل البرلمان . كما كان للرئيس الإيطالي « Sclafaro »  التأثير المباشر عندما دعم كل من حكومتي « Amato »  و« Ciampi » وقد أسهم الرئيس في تأليفهمـا ، لكنه لم يتمكن من لعب هذا الدور بعد الإنتخابـات التي جرت في العـام 1994 مع رئيس الحكومة الجديدة  « Berlusconi » ، ثم عاد وتدخل بعد إنتخابات عام 1996 وأسهم في تشكيل حكومَتَي « Dini »  و » « Prodi (2) .

      ويمكننا القول إن دور رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة في لبنان بعد التعديلات الدستورية ليس محدوداً لكنه ليس مطلقاً ، ودوره يشبه في هذا المجال دور الرئيس الفرنسي في ظل الجمهورية الخامسة ، فعلى الرغم من أن نص المادة الثامنة من الفصل الثاني من دستور عـام 1958  يعطي الرئيس حـق تسمية الوزراء بنـاءً على اقتـراح رئيس الحكومـة ،  فقـد كان الرئيس » « De Gaulle  يتدخل كثيراً في فرض وزراء على كل تشكيلة حكومية لا سيما بعدما أصرّ على استبدال « M. Giscard d’Estaing »   بالسيد« M. Debré »  وكذلك فعل خلفه .

      لكن دور الرئيس لا يحجب بالمطلق دور الأحزاب السياسية في هذا المجال ، وعليه تكون الأدوار موزعة في تأليف الحكومة على ثلاث جهات هم : رئيس الدولة ، والرئيس المكلّف ، والأحزاب السياسية . وإن دور رئيس الدولة يقوى ويضعف تبعاً لاستمرار تأييده من الأغلبية البرلمانية (3) .

      ومما لا شك فيه أيضاً أن شخصية الرئيس تلعب دوراً مهماً في هذا الصدد بالإضافة إلى الظروف التي ترافق عملية التكليف ، فإذا عدنا إلى زمن الوصاية السورية على لبنان بعد إقرار التعديلات الدستورية نجد أن سلطة الوصاية كانت تملك القدرة على الحلّ والربط في هذا المجال بالإضافة إلى دور محدود للرؤساء حيث أن شخصية الرئيس الشهيد رفيق الحريري كانت تطغى على شخصية الرئيس الهراوي ، لأن الأول كان يملك وزن غير إعتيادي في المعادلة السياسية اللبنانية ووهجاً دولياً ونجاحاً فريداً حجب دور الرئيس في تلك المرحلة .

      وهذا الأمر لم يبقَ كذلك في عهد الرئيس إميل لحود الذي كانت علاقته بالرئيس الحريري علاقة نهجين مختلفين يحكمهما التجاذب شبه الدائم ، وقد تفاقم هذا التجاذب مع حكومة الرئيس السنيورة أيضاً.

      أما في عهد الرئيس سليمان الذي بدأت ولايته بُعيد إتفاق الدوحة فقد وقّع على مراسيم تأليف حكومة حُدّد فيها سلفاً حصصاً وزارية له بما يتعارض مع النص الدستوري ، وبما يؤكد وجود تأثير آخر على دور وموقع الرئيس ، إذ بعد زوال وصاية النظام السوري على لبنان ،  تبيّن وجود قوى أخرى أدّت إلى التأثير سلباً على مجمل الحياة السياسية في لبنان لا سيما على موقع رئيس الجمهورية ودوره .

      لكن الرئيس سليمان الذي استعاد وأعاد للرئاسة موقعها ودورها ، لا سيما في جملة المواقف التي اتخذها سواء فيما خص وجوب حصر السلاح بيد القوى الشرعية ، أو لجهة تحييد لبنان عن الأزمة العالقة في سوريا وفقاً لما جاء في ” إعلان بعبدا ” ، أو لجهة أخذ المواقف الجريئة لجهة الوقوف في وجه العدوان الحاصل على الأراضي اللبنانية من قِبل الجانب السوري والإسرائيلي على حدٍ سواء .

      وعليه فإنه مطلوب منه إستكمال هذه المواقف من خلال توريث العهد المقبل ممارسة دستورية صائبة لأهم صلاحية دستورية أبقاها دستور الطائف بيد رئيس الجمهورية ، ألا وهي الإتفاق مع الرئيس المكلّف على تشكيل الحكومة ، بحيث لا يُصار إلى تكريس حصة للرئيس لأن للرئيس صلاحية الإتفاق مع الرئيس المكلّف على كامل التشكيلة الحكومية فلا حصة مؤلفة من خمسة وزراء من أصل ثلاثين ، ولا ثلث ضامن أو ثلث معطل أو وزير ملك أو ما شابه . وقد شكّلت فكرة الوزير الملك أسوأ التجارب التي شهدتها عملية التأليف منذ إقرار التعديلات حتى يومنا هذا .

      لذلك وتماشياً مع الدور الذي يؤديه الرئيس سليمان والذي يتلاءم مع  موقعه الذي كرّسه له دستور الطائف والذي لم يمارسه أي رئيس منذ بدء تطبيق إتفاق الطائف وصولاً إلى زوال الوصاية السورية في العام 2005 مروراً بالأحداث التي سبقت وتلت إتفاق الدوحة ، فقد أثبت الرئيس في ممارسته أن زمن الوصايـة ولّـى فعلياً ويبقى أن تخرج الوصاية من أذهان البعض ،  لذلك فإن العودة إلى الممارسة الموروثة عن عهد الوصاية باتت مرفوضة ، لئلا تشكّل هذه الحالات أعرافاً دستورية خاطئة تترسخ في الحياة الدستورية وفي ذهن المواطنين بخلاف النيّة التي قصدها المشرّع الدستوري ، هذا المشرّع الذي وإن شابت إرادته شيئاً من الإكراه جراء الحالة الأمنية التي وصل إليها لبنان يوم شارك نواب الأمة في مؤتمر الطائف ، لكن الفرصة اليوم متاحة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح تكريساً للعيش المشترك وبما يتلاءم مع التركيبة المجتمعية اللبنانية ، فيمتنع الرئيس عن التوقيع على مرسوم تأليف حكومة لم يشارك في تأليفها بالكامل أو أنه لم يقتنع أيضاً بأنها قادرة على تحقيق المصالح العليا للوطن .

المعاينة 0 الرد المواضيع
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

CONTACT US

We're not around right now. But you can send us an email and we'll get back to you, asap.

Sending

Log in with your credentials

or    

Forgot your details?

Create Account